لم يتوقع كانيوار اياني (28 سنة- عضو في تنسيقية ربيع احرار راس العين) أن موقفه سيتغير بعد معركة راس العين نهاية العام الماضي. دخول الكتائب الاسلامية الى مدينته والتي جاءت بدايةً لتحريرها, الا انها وبحسب كانيوار عملت وفق اجندات اقليمية وبقيت واستعصت فيها لفرض سيطرتها وفتحت حرباً مفتوحة مع الاهالي.
كانيوار كان يعمل منذ بداية الثورة في التنسيقيات, ينظم المظاهرات ويكتب لافتاتها, من بين أكثر النشطاء الاكراد ممن دافعوا عن رفع علم سورية الاستقلال في تظاهرات راس العين.
يروي كانيوار حيثيات خلافه مع الاطراف التي كانت ترفض رفع علم سوريا الاستقلال ويقول ” في 15 -07- 2011 كانت مظاهرة جمعة أسرى الحريّة, مجلس غرب كوردستان غيروا الاسم لتصبح ( جمعة عبد الله اوجلان) تدخلت وقتها وطلبت من المنظمين التقيد بتوحيد اسم يوم الجمعة لأنها ترمز للثورتنا, وسنقوم بتنظيم مظاهرة اخرى في احد ايام الاسبوع يكون اسمها عبد الله اوجلان”.
ويتابع كانيوار كلامه” اصر الطرف الاخر( مجلس غرب كوردستان وحزب PYD ) على موقفهم ونحن لم نقبل تغيير الاسم مما ادى الى انقسام الشارع في راس العين الى طرفين: الاول نحن تنسيقية ربيع احرار راس العين وحركة شباب الثورة رفعنا علم سورية الاستقلال ومشينا في الشارع الرئيسي كالعادة. القسم الثاني مجلس غرب كوردستان وحزب PYD واتحاد تنسيقيات شباب الكورد, رفعوا العلم الكوردي واتجهوا الى شارع اخر”.
كانيوار الان يدافع عن مطلب الادارة الذاتية وانها من حق الكورد, هذا التحول في موقفه جاء كردة فعل على موقف تلك الكتائب الاسلامية التي دخلت في حرب دامت قرابة شهرين راح ضحيتها المئات من الشباب وتحول الصراع الى معارك جانبية…
سري كانيه- كما يطلق عليها سكان المدينة من القومية الكوردية- واسمها راس العين نسبةً الى ينابيع الكبريت التي كانت تشتهر بها المدينة قبل جفافها قبل حوالي عقد بعد تعرضها لموجة من الجفاف دام عدة سنوات.
المشهد في هذه المدينة خيم بظلاله على المزاج العام للشعب الكوردي في سورية عموماً, فالأكراد يشّكلون القومية الثانية بعد العرب, وحسب الإحصاءات الغير رسمية, يقدر عددهم بحوالي مليوني ونصف ويشكلون 12 % من التعداد السكاني. يتمركز وجودهم في أربع محافظات رئيسية وهي ( الحسكة – الرقة – حلب – دمشق ) ويشكل الأكراد جزءا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي السوري حسب ادبيات الاحزاب السياسية الكوردية.
وعن تغير موقفه من الجيش الحر قال كانيوار” في اول يوم من معركة راس العين أي في 08-11-2012- قررنا رفع العلم الكوردي الى جانب علم الاستقلال في ساحة المظاهرات والتي كانت نقطة تجمع المتظاهرين في راس العين, العلم هو رمز للوجود الكوردي هنا, وهو رمز قومي ولكن احدى الكتائب الاسلامية التابعة لكتائب غرباء الشام وعلى لسان قائدها لم يسمح لنا رفع العلم وأصر انه لن الا العلم الاسود وهو الراية الاسلامية التي يكتب عليها” لا اله الا الله محمد رسول الله” قلت له اننا من تنسيقيات الثورة وسنرفع العلم السوري والى جانبه العلم الكوردي للتعبير على الوحدة الوطنية في المدينة”.
يروي الزعيم كيف ان تلك الكتائب ومن على ميكروفونات الجوامع كانوا يصيحون( من سلم نفسه يسلم) الزعيم رجل طاعن بالسن اسمه الحقيقي زعيم حاج محمد ولقبه الثوار الاكراد بالزعيم. هو من مواليد راس العين 1946, وفي عصر يوم 11-11-2012 شكل مجوعة مؤلفة من 12 شاباً مسلحاً للدفاع عن عرضه وارضه وشرفه حسب وصفه.
يقول الزعيم” سلاحي ومنذ ثلاثين عاماً لم أطلق فيه رصاصة واحدة, عندما دخلت تلك الكتائب قررنا الدفاع عن اهلنا وناموسنا- شرفنا- هم جاؤوا للسيطرة على هذه المدينة ذات الاغلبية الكوردية, ونحن دافعنا عن وجودنا وتاريخنا وارثنا. قالوا لنا (ناموسكم حلالنا ومالكم مالنا) وقتها ردّدت عليهم: خسى الزعيم ما بيركع الا لله”.
ويضيف الزعيم” منذ ان وعييت على الدنيا أحلم بتأسيس دولة كوردية نحن حُرمنا منها, الان يجب ان نعمل لتحقيق حلمنا”..
المحامية دلشا آيو- 46- محامية تمارس المهنة منذ 16 سنة- من سكان مدينة راس العين. تشغل منصب قاضية في محكمة الشعب التي تأسست منذ قرابة شهرين بعد اغلاق جميع المحاكم الحكومية.
تتذكر اقسى الصور عن معارك مدينتها وتقول” من اكثر الصور المأساوية التي دائماً أتذكرها عندما قامت طائرة عسكرية تابعة للنظام بالقصف العشوائي على المدينة في اليوم الثالث من الاشتباكات اي في تاريخ 11-11-2012, وقتها هربنا جميعاً الى الحدود السورية- التركية.. كان لدينا اعتقاد سائد ان الحدود اكثر مكان أمن, نزح غالبية سكان المدينة كان ذلك مشهداً يشابه يوم الحشر الذي قرئنا عنه في الكتب الدينية”.
وتتابع المحامية دلشا” ونحن نهرب من الطيران وقعت قذيفة هاون على بيت احد الجيران, قتلت طفلتهم التي لم تبلغ 10 سنوات من العمر, لا انسى تلك اللحظات؛ اطفالي الصغار هربوا الى الشارع وهم يبكون, هذا المشهد بقي عالق في ذهني, وعندما هربنا الى الحدود شاهدت طفلاً يبكي وكان التراب والسواد طاغي على شكله, حيث وقعت قذيفة طيران بالقرب من منزله. وعندما وصلنا الى الطرف الاخر, لم نكن نعلم الى أين متجهين والسائق الذي اقلنا كان مواطن تركي لا يتلكم العربية او الانكليزية.. الخوف والرعب رافقنا طوال الطريق”.
قالت وهي تحاول ان لا تظهر دموعها التي انهمرت من كلتا عينيها” الاكثر ألماً وحزناً اننا لم نستطع دفن شهداؤنا في المدينة, وحرمنا من تشييعهم والصلاة عليهم.. كنا ننتشل الجثث من تحت الانقاض وندفنها في مدينة الدرباسية. هناك اصبحت لنا مقبرة لشهداء سري كانيه”.
المحامية دلشا دافعت عن مطالبة ابناء جلدتها بحقوقهم وقالت” هناك حقائق يجب عدم التغاضي عنها, اولاً: عندما اقول من حقي الاقرار الدستوري على الاخرين عدم الولوج في هذه الناحية لأنها حقيقة موجودة ولا تحتاج الى اقرار قانوني.. ثانياً: نحن على ارضنا التاريخية وهذه الناحية يجب اقرارها دستورياً, عندما نطرح هذه القضايا هذا لا يعني اننا ننزح الى الانفصال”
وعن مطالب الاكراد تقول الحقوقية دلشا” نحن جزء من الشعب السوري ولكن عندما البس الزي الكوردي واذهب الى عيد النوروز القومي – رأس السنة الكوردية- هذه هي خصوصية قومية ومن حقي التعبير عنها. وما المشكلة ان يكون لدينا أدارة ذاتية, ولكن ادارة ذاتية ضمن سورية الموحدة, ومن حق اي شعب ان يطالب بحق تقرير مصيره, ومن حق اي كوردي ان يطالب بتوحد اجزاء كوردستان الاربعة في دولة واحدة, كما هو من حق اي عربي ان يطالب بوحدة الوطن العربي”.
هذا ما كان عليه حال مدينة راس العين, وعلى بعد بضع كيلومترات جنوباً كانت بلدة تل تمر تشهد اشتباكات بين قوات الحماية الشعبية (YPK ) مع كتائب تابعة للجيش السوري الحر.
قوات الحماية الشعبية (YPK ) تابعة للهيئة الكوردية العليا والتي تأسست مباشرةً بأمر من حزب الاتحاد الديمقراطي(PYD) اما الكتائب الاسلامية ينحدر أغلب المتطوعين فيها من سكان المنطقة, الامر كذلك عند قوات الحماية الشعبية, يبدوا ان هناك قوى حولت المعركة في تل تمر من النظام والمعارضة, الى المعارضة فيما بينها, ان جاز القول.
لوند شاب في ربيعه 28 من مواليد مدينة تل تمر ( 33 كلم شمال غرب محافظة الحسكة) قائد العلميات العسكرية في قوات الحماية الشعبية بمدينة تل تمر هذه القوات يرمز لها( YPK) ترفع علماً اصفر يتوسطه نجمة حمراء. قال لي عندما سألته عن طموحه كشاب كوردي ولماذا أختار أن يكون مسلحاً, رد علي بالقول” أنت كصحفي عليك نقل الواقع بحيادية وإنسانية, أما بالنسبة لي كعسكري مهمتي هي حماية الأهالي بغض النظر عن العرقيات والطوائف, لأننا في خدمة جميع أطياف الشعب السوري”.
ويضيف لوند” نقوم حالياً بالدفاع عن المدينة واهليها ضد هجمات الجماعات والعصابات المرتزقة التي تقوم بنهب المنشآت العامة والتي تعتّدي على الأهالي. ونحن عسكرياً أقوى على الأرض حالياً ووحدات الحماية الشعبية جاهزة للتصدي لهم وسنحول تل تمر إلى جهنم أمام من يحاول الدخول إليها “
وعن مطلبه القومي قال” الاعتراف الدستوري بهوية الشعب الكوردي الذي عانى من النظام البعثي عدة عقود, وللوصول إلى ذلك لا بد من قيام إقليم فدرالي للأكراد يحميهم ويساعدهم التمتع بكامل حقوقهم على أرضه التاريخية في سورية الديمقراطية التعددية”.
عبد الكريم محمد عبدو (54 سنة- مدرس رياضيات) رئيس مجلس الشعب في غربي كوردستان في بلدة تل تمر. بقي في مدينته تل تمر ولم يتركها لحظة واحدة, نزح هو وعائلته عن منزله, بعد ان وصلت الاشتباكات الى المنطقة التي يسكن فيها, قرر هو وعائلته البقاء في مدينته, فالنزوح عنها يعني النزوح عن الوطن حسب وصفه. نظم هو ومجموعة متطوعين شؤون المدينة من تشغيل المخبز وتأمين مياه الشرب بعد ان تحولت مدينة تل تمر الى ساحة للقتال.
وعن التهمة الموجه لمجلس غرب كوردستان بالتواطئئ مع النظام السوري دافع بقوة وارتفعت نبرة صوته وقال وهو يرفع يديه” نحن لسنا مع النظام السوري قطعاً، ولا ندافع عنه، وقد يعتقد البعض أن بشار الأسد قد اشترى الأكراد بمنحهم الهوية السورية وأنا أتساءل لماذا لم يمنح النظام السوري الأكراد حقهم في الجنسية السورية قبل الآن؟!! وبالتالي قطعاً لم يستطع النظام شراء ولائنا أو استمالتنا له لكن في المقابل أقول إن المعارضة السورية ينظرون إلينا بنفس منظور النظام، وبالتالي لا أرى أي تقارب بين الحركة الكوردية وقوى المعارضة السورية التي أجلت الاعتراف بالقضية الكردية حتى إسقاط النظام، وعندما تم انتخاب السيد عبد الباسط سيدا رئيساً للمجلس الوطني السوري لم يكن يمثل الشعب الكوردي بل كان شخصية كوردية يرأس المجلس ليس ألا”.
وتساءل عبد الكريم ” أنا أسأل من يتهموننا بالتحالف مع النظام, ففي عام 2004 لم يبق في غربي كوردستان أي عنصر أمن خلال 24 ساعة في انتفاضة الأكراد فأين كانت تلك المعارضة آنذاك؟؟!”
اسماعيل بدران خلو(52 سنة- عضو في اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي التقدمي الكوردي في سورية) من قرية جولبصتان – تقع شمال محافظة الحسكة 33 كلم- والتي يقام فيها سنوياً احتفال عيد النوروز – راس السنة الكوردية- يعمل في صفوف الحزب منذ 30 عاماً.
كان احد الشخصيات الكوردية التي زار تركيا وقام بواسطة مع قادة الكتائب الاسلامية التي دخلت راس العين وتل تمر ليطلب منها الرحيل وترك ادارتها لسكانها, قال” من خلال متابعتي لما حدث في راس العين وما يجري في تل تمر الان, يبدوا ان هناك بعض من المتطرفين ارادوا توسيع هذه المعركة لتحصد المزيد من ارواح الابرياء. وبالتالي تجييشها لتصبح معركة وجود بين الكورد والعرب, اعتقد ان هؤلاء يقومون حرباً بالوكالة لان هذه المنطقة الوحيدة التي تتمتع نسبياً بالأمان والاستقرار, ولكن حربهم بالوكالة هي بإيعاز من النظام التركي وهو متورط فيها, لان هذا النظام يعمل على خلخلة المناطق ذات الاغلبية الكوردية, لان تركيا تلعب على وترين في نفس الوقت؛ الاول توصلت الى اتفاق مع حزب العمال الكوردستاني وانهاء الصراع المسلح معه, وإدخاله في الحياة السياسية, وهنا لا تسمح في تقوية وحدات الحماية الشعبية(YPK) وبالنتيجة لا تسمح للمناطق ذات الاغلبية الكوردية ان تتمتع بهذا الاستقرار خوفاً منها من تنامي المد القومي لدى الاكراد في طرفي الحدود”.
ويؤكد اسماعيل خلو وهو السياسي الكوردي الذي طالما كان ومازال يحلم بوطن كوردي ولكن يقول اليوم ” من منطقة عفرين التابعة لمحافظة حلب والى اقصى شمال شرق سورية منقطة المالكية- ديريك بالكوردية- هناك تداخل بين القرى الكوردية والعربية, يعني في حال تم رسم حدود الدولة الكوردية ماذا سنفعل بخصوص تلك القرى العربية المتداخلة مع مثيلاتها الكوردية هل نعطي كل كم قرية مثلاً حكم ذاتي, أكيد هذا غير منطقي وطرح دولة كوردية في هذه المرحلة غير قابل للتحقيق ويجب ان نعمل لتأمين الحقوق الكوردية في اطار حكم لا مركزي وتبقى دمشق المركز وعلينا تعزيز وتكريس الاخوة العربية- الكوردية”.
شوارع راس العين وتل تمر كانت تنتشر فيها رائحة البارود والرصاص, فالاتفاق في سري كانيه مازال حيز التنفيذ ويشكك الاهالي بجدية طرفي الصراع والتقيد به, اما في تل تمر مازالت المعارك مستمرة ويبدوا ان المشهد في راس العين يتكرر في مدينة تل تمر والجميع يعيش حالة من الترقب…
كلنا شركاء تنشر ملف- اكراد سورية بين حلم الفدرالية وذاتية الادارة- على أربعة اجزاء