الدبلوماسية الروسية تتنشط بشكل غير مسبوق بعد الإعلان عن القضاء على “داعش” في سوريا تطرح معها سؤال محق لأي مهتم, أين الدبلوماسية الأمريكية في المقابل, فهل هي مكتفية بتواجدها العسكري في منطقة الجزيرة السورية والعراق, بينما إيران تتمدد بدون أي معيق عن طريق تعاظم قواتها من الحشد الشعبي وغيرها من الميليشيات؟
أعتقد أن صمت أمريكا في مواجهة الدبلوماسية الروسية نوع من الحرب الناعمة على المستوى الدبلوماسي, ما يعني أن أمريكا تستنزف الأنشطة الدبلوماسية لدى روسيا بصمتها بعد أن أغرقتها في المستنقع السوري.. لكن روسيا وكأنها تحاول كسب مساندة الدول الإقليمية ( كتركيا وإيران ومصر ) لعملها الدبلوماسي من أجل إنجاح مؤتمر سوتشي المزمع عقده عن قريب, قد تسحب البساط من تحت المسند الأمريكي الذي تحتفظ به أمريكا في المنصة الدولية إن استطاعت إنجاح مؤتمر سوتشي.
يبدو أن الدبلوماسية الروسية على المستوى العالي جداً يقوم بها الرئيس الروسي بنفسه نابعة من تخوف روسيا من الفشل الذي لايفارق تفكيرها تجاه ما تخبيء لها أمريكا من مفاجئات, وهي مستغربة من الصمت الأمريكي تجاه الدبلوماسية الدولية وعمل ديمستورا نيابة عن المجتمع الدولي.. مع توقعاتها على أن الولايات المتحدة لايمكن أن تسحب يدها من المنطقة وتتركها للنفوذ الروسي والإيراني حيث منطقة الخليج برمتها مهددة من قبل إيران, وخاصة إذا نجحت قوات الحوثي في السيطرة على اليمن ستقع دول الخليج بين فكي كماشة إيران, والعراق واقعة تحت سيطرتها إن لم تفاجئنا أحداث غير محسوبة لها, وسوريا إن بقيت تحت سيطرة النظام الموالي لإيران وكذلك لبنان, وهذا ما يؤدي إلى محاصرة دول الخليج وستقع المنافذ البحرية الإستراتيجية تحت السيطرة الإيرانية مثل ( مضيق باب المندب ومضيق هرمز الإستراتيجيتين ) والتين يتم فيهما عبور التجارة العالمية من المواد الإستهلاكية والصناعية وكذلك الطاقة.
لذلك كله, وأكثر من ذلك, لاأعتقد أن أمريكا ستترك يد روسيا وإيران للسيطرة على المنطقة وإخراجها بشكل كامل حتى وإن احتفظت بقواعدها العسكرية في الخليج, لأن في نهاية الأمر الدول لها مصالح فقد تغير من موقفها عندما ترى أن هناك بديلاً أنشط من أمريكا وأقرب لها جغرافياً تستطيع الحفاظ على الواقع السياسي والإداري لدول المنطقة, وبالتالي, قد يؤدي إلى خسارة تاريخية للوجود الأمريكي..
مع مناقشة كل ذلك تسحبنا الذاكرة نحو سجالات معقدة وتنتج نوعاً من الحظر المخيف من المستقبل الذي يخيم عليه المجهول الحتمي يحمل في طياته إنقلاباً مخيفاً قد يدخلنا في صراع بين (الحيتان) ليغير اللعبة من الأساس ويحمل المنطقة عبئاً أثقل من الذي حملته طوال السنين السابقة.
ماذا تفكر أمريكا وعلى ماذا تخطط للمنطقة تجبرنا أن نتسائل ونتحاور ونجادل في المجهول المخيف… فهل ما بعد سوتشي ستبدد الغيوم عن السياسة الأمريكية لطالما أن السياسة الروسية والإيرانية باتت واضحة بأهدافها وإستراتيجياتها في المنطقة وانعكاساتها على مستقبل المنطقة برمتها, وماسيكون الدور الأوروبي تجاه كل ذلك؟