ربما لكونها كانت تحلم عبر روايتها ” فوضى الحواس “ان تمد جسورها لترتبط بالعالم كإنسانة ، وربما لأن حلمها الكبير هذا لم يتحقق ، كما كانت تتمنى ،فقد وجدت عزاءها و- جسورها – عند الشعب الكوردي الذي فتنت بطيبته وشاعرية لغته و”ألمه المترفع عن البوح” .
أحلام مستغانمي فخورة بترجمة روايتها ” ذاكرة الجسد” الى اللغة الكوردية التي لا تفقه منها شيئأ، وهي بذلك تتجاوز الكثير من أقرانها العرب ممن يكتبون بالعربية و يقرؤون ويترجمون من كل اللغات الحية والميتة ويأنفون من الاقتراب من اللغة الكوردية التي يتحدث بها أكثر من خمسين مليون انسان، مشتتين في أصقاع مختلفة من العالم ، لا يقربون من ادب وتراث لصيق بأدبهم وتراثهم وتأريخ يمتزج بتأريخهم !! .
مستغانمي ، رغم انها في اقصى الغرب ونحن، في اقصى الشرق، العربي ورغم ان بيننا وبينها عوالم مضطربة ومفازات لا حصر لها ،الا أنها تلّم بـ “الجرح ” الكوردي و”التشردالكوردي” و” الصمود” الكوردي !
تقول مستغانمي ،بحب لم أجد له مثيلا – بين الكتّاب العرب – :
وأخيرا بين أيديكم هذه الرواية ، باللغة الكوردية ! فطالما فاخرت بترجمتها الى هذه اللغة المحملة بطيبة الأكراد ، بعنفوانهم وشاعرية ألَمَهم المترفع عن البوح الذليل .
لي قرابة بها ، هذه اللغة التي لا اعرفها، أرى فيها بعض ذاكرتي ، وجعي ، أنا القادمة من الميراث التراجيدي العربي.
إذا، فأحلام مستغانمي فخورة بمغامرتها وبإنحيازها لهذه اللغة التي – تُقمع – كل يوم في اكثر من بقعة من هذا العالم المضطرب .
وتسترسل مستغانمي في غزلها اللذيذ ازاء هذه اللغة التي ما تغزلت بها –أنثى – عربية اذ تقول :
قلت في اكثر من مناسبة ، ان صدورها باللغة الكوردية يملؤني زهوا ويسعدني اكثر من صدورها في طبعات فاخرة باللغة الإنكليزية والإيطالية او الفرنسية او الصينية . ذلك انه في زمن” التطهير اللغوي ” الذي تتناحر فيه ديناصورات العالم ، مبتلعة خمسا وعشرين لغة سنويا ،وهو عدد اللغات التي تختفي سنويا من العالم ، يصبح مجرد الانحياز الى هذه اللغة عملا ثوريا .
وتتمادى احلام في – تمردها – المعهود، وتفصح – دون ان تدري – عن توغلها في الجرح الكوردي النازف وفي الواقع الكوردي الذي يتهيب منه ” شهود العيان ” فتقول :
… على ظهر كتبي ، عند عرض اللغات التي ترجمت إليها أعمالي ، ابدأ باللغة الكوردية ، حسب التسلسل الأبجدي لقلبي ، ولا يعنيني ان تكون لغة عالمية ، بل اللغة التي تآمر ضدها العالم اجمع ، وادخل بتهمتها خيرة الرجال الى السجون ورمي بآخرين في المنافي والقبور .
مستغانمي ، لا تدري دون شك ، ان نساءً ايضا ادخلن السجن بتهمة التعاطي مع اللغة الكوردية وان ليلى زانا امضت عشرة اعوام من عمرها الغض خلف القضبان بهذه التهمة .
مستغانمي تختتم مرثيتها الانسانية وتفصح عن حبها الكبير- متجاوزة أبناء عمومتها وكل ” شيوخ القبيلة ” – حين تقول لعشاقها من الكورد :
ايها الرائعون الذين ستقرأون هذا الكتاب ، الموزعون على خرائط التشرد ، او الصامدون في بلاد النرجس المخضبة بالدماء ، متورطة في حبكم انا .
كم اتمنى ان تعثروا على شئ منكم في هذا الكتاب .
والكتاب الذي تعنيه احلام مستغانمي هو” ذاكرة الجسد “وما سطرته من كلمات عذبة تنضح بالحب ،كانت خاصة بالترجمة الكوردية للرواية ولكون المترجم لم يوفق بالاتصال بأحلام مستغانمي لكتابة مقدمة جديدة لترجمة “فوضى الحواس ” – كما يقول في مقدمته الكوردية لفوضى الحواس – فقد آثر ان يستعير مقدمة ذاكرة الجسد مرة ثانية .. وربما سيستعيرها ثالثة، فهي جديرة بذلك .
بقي ان نقول ان رواية” فوضى الحواس” التي صدرت عن دار الاداب عام 1997 وطبعت حتى الان اكثر من15 مرة وترجمت الى العديد من لغات العالم ،ترجمها الى اللغة الكوردية صالح محمد امين و صدرت عن وزارة الثقافة في إقليم كوردستان قبل فترة لتكون بذلك اضافة جديدة و..جديرة، الى المكتبة الكوردية .
الصوت الآخر