من الواضح تماما بأن جميع الخيارات باتت مفتوحة في سوريا التي تعيش منذ أكثر من سنتين صراعا داميا وحربا أهلية طاحنة لها امتداداتها وتشابكاتها الإقليمية والدولية.. والذي أسهم في إشعالها وقبل كل شيء القمع الدموي لنظام الأسد ولجوئه منذ البداية للحلول الأمنية من قتل واعتقال وتعذيـب الأمر الذي طال عشرات الآلاف من السوريين المشاركين في الحراك السلمي للشعب السوري منذ انتفاضته في مارس 2011 ، وصم الآذان عن سماع وتحقيق مطالبه العادلة والمشروعة في الحريـة والكرامـة والعدالة والمساواة، وذلك على غـرار شعوب بلدان «الربيع العربي» التي انتفضت ضد أنظمة الفساد والاستبداد .
. منحى الصراع الدامي في سوريـا أودى بحياة أكثر من 100 ألف قتيل إلى جانب عشرات الآلاف من المعتقلين، وملايين المشرديـن في الداخل والخارج، ناهيك عن تدميـر شبه كامل للبنية التحية والمنشآت الصناعية والسكنية والصحية والتعليمية في مئات المدن والبلدات والقرى السوريـة، وتلك الأرقام مرشحة للزيادة باستمـرار في ظل استمـرار وتفاقم حدة الصـراع الداخلي. وقد تمثلت القوة العسكرية الضاربة المناهضة للنظام الحاكم في الجيش السوري الحر الذي تشكل أساسا من جنود وضباط منشقين على النظام الحاكم، غير أنه في مجرى استمـرار الصـراع العسكري وغياب أي أفق للحلول السياسية / السلمية، أخذت تنجذب وتنخرط في هذا الصراع وعلى نحو متزايـد مجموعات (جهادية) أممية تتسم غالبيتها بالتطرف والتكفيـر ولها أجندتها الخاصة التي تتعارض مع مصالح غالبية الشعب السوري ونخبه السياسية والفكريـة والمدنيـة وتطلعاتهم نحو الحرية والديمقراطية والمواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات والذي لن يتأتى إلا من خلال إقامة دولة مدنية، في حين تتمثل أجندات المجموعات «الجهادية» في إقامة «الخلافة» أو «الدولة» أو «الإمارة» الإسلامية.. وذلك تحت مسوغ تنفيذ الحكم «الشرعي»، بل ووصل الصراع الدامي إلى داخل تلك المجموعات وما بين أمرائها المتنافسين على الغنائم والخوات والحواجز والمربعات الأمنية..
تلك الحقائق أكدها وحذر من عواقبها العديـد من قادة المعارضة السياسية والعسكرية في الداخل والخارج السوري. في ظل استمرار الصراع الدموي وعدم قدرة أي من الأطراف المتصارعة، على حسم الصراع لصالحها، ويستوي في ذلك قوات النظام والمليشيات الحليفة له من جهة، والجيش الحر والتشكيلات العسكريـة المعارضة من جهة أخرى..
تعددت التسميات في توصيف ما يجري في سوريا، ما بين «اللبننة» على غـرار الحرب الأهلية في لبنان ( 1975ــ 1990) والتي انتهت باتفاق الطائف وفقا لصيغة لا غالب ولا مغلوب، أو «الصوملة» حيث التفتيت الفعلي لأرض الصومال ما بين القوى القبلية والعرقية والجماعات التكفيريـة المتصارعة أو «العرقنة» بمعنى الحفاظ الشكلي على دولة اتحادية (فيدرالية) هشة وفاشلة سياسيا واقتصاديا (رغم الثـروات النفطية الهائلـة) واجتماعيا، وتنخرها الصـراعات والتجاذبات الطائفية (سنة ــ شيعة) والعرقية (عرب، كرد، آشور، كلدان)، أم هي «السودنة» بمعنى انشطار وانقسام الدولة (شمال ــ جنوب). وبـروز ولايات متمردة على الحكم المركزي الاستبدادي مثل كردفان وغيرها..
لكن البعض الآخر يطرح مصطلح «السورنة» والذي هو مزيـج لبعض السمات والمظاهر السابقة ولكن بنكهـة سوريـة خاصة، هي حرب الجميـع ضد الجميـع أو المأكلة الكبـرى وفقا للفيلسوف هوبـز (القرن السابع عشر )، هي حرب داخلية مركبة بامتياز، حرب يتداخل فيها السياسي، العسكري، الطائفي، المذهبي والعرقي.. وفي الوقت ذاتـه هي حـرب إقليمية ودولية بالوكالة..
ضمن هذا السياق المضطرب والخطر توصلت الولايات المتحدة وروسيا إلى اتفاق نهائي على عقد مفاوضات (جنيف 2 ) في القريب العاجل، غير أنه لم يتحدد حتى الآن جدول للأعمال أو الأطراف المشاركة. الجديد هنا هو موقف حزب الاتحاد الديمقراطي ( كردي) في سوريـا والذي يقاتل جناحه العسكري والوحدات الشعبية من أجل طرد «جماعة النصرة» ومقاتلي ما يسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام» من المناطق الكردية في غرب سوريـا والمتاخمة لتركيا، حيث أعلن صالح مسلم رئيس الحزب عن العزم على تشكيل إدارة مدنية انتقالية في المناطق الكرديـة.
عكاظ