لقد باتت التهديدات التركية المتكررة للمناطق الكردية في سوريا، تشكل إحدى القضايا الدراماتيكية في مسلسل الأزمة السورية، حيث أن الكرد يعانون من تنكر النظام لحقوقه القومية كثاني أكبر مكون في البلاد ومواقف الحكومة التركية المناهضة لأي جهد أو محاولة كردية لنيل حقوقه القومية حتى لوكان ذلك في أدغال أفريقيا، وما جرى في عفرين بُعيد احتلالها وتركها تحت رحمة الفصائل التكفيرية والجهادية التي تعمل تحت راية الجيش التركي من اعمال نهب وسلب وتخريب لممتلكات المواطنين الكرد دليل على الكراهية والحقد الدفين تجاه الشعب الكردي.
تركيا التي تتذرع بان حزب الاتحاد الديمقراطي “pyd ” يشكل خطرا على أمنها القومي ولا بد من اجتثاث وجوده على حدوده الجنوبية، إنما تحارب في الحقيقة كل الشعب الكردي، فحزب الاتحاد الديمقراطي لا يمثل كل الشعب الكردي وهو مجرد حزب سياسي كباقي الأحزاب الكردية السورية، ناهيك أن قوى المعارضة السورية الموجودة على الأراضي التركية هي الأخرى تأتمر بأوامر الدولة التركية وتنفذ اجنداتها ورغباتها في ظل صمت دولي لا يُعير اهتماما لهذه التهديدات التي تعتبر وجودية بالنسبة للشعب الكردي الذي كان في المواقع الأمامية في محاربة الإرهاب.
إن الذرائع والحجج التركية هي مجرد فوبيا ليس إلا، فالكرد في سوريا لا يشكلون تهديدا للأمن القومي التركي وإنما يريدون اقامة علاقات طبيعية مع الدولة التركية، وإن تكرار تجربة عفرين في المناطق الكردية الأخرى سيكون لها أثار تدميرية كبيرة على هذه المناطق، وسيعقد المشهد السياسي والميداني السوري المعقد أصلا. وبالتالي سيؤخر عملية الحل السياسي في البلاد، فمن دون مشاركة الكرد في العملية السياسية ومنحهم حقوقهم القومية والديمقراطية لا يمكن للعملية السياسية المستقبلية أن تكون ناجعة وذات مصداقية.
من هنا وبعيداً عن الشعارات الحماسية التي أثبتت تجربة عفرين بأنها لن تفلح في ردع النظام التركي ولجم غروره، وإنما بالعكس توفر له المزيد من الذرائع المجانية التي يستخدمها في سياساته ومواقفه، فحزب الاتحاد الديمقراطي “pyd” هو الأخر مدعو إلى إجراء مراجعة شاملة لسياساته ومواقفه لسد الطريق أمام تركيا من جهة والعمل مع الحركة السياسية الكردية لبلورة سياسات ومواقف تخدم الشعب الكردي في سوريا.
لابدّ أن يلتفت الأخوة الأعداء، وكل من موقعه في الحركة الكردية في سوريا، وخاصة (حزب الاتحاد الديمقراطي، والمجلس الوطني الكردي)، إلى مسؤولياتهم التاريخية تجاه هذه التهديدات الجدّية، وتجاوز الخلافات العقيمة فيما بينهما والاسراع في تلبية الدعوة الى الاجتماع التشاوري الطارئ من دون إقصاء أيّة جهة أو طرف، لبلورة موقف كردي موحد تجاه هذه المخاطر التي تهدد وجود الشعب الكردي في سوريا، وتنذر ميدانياً مناطقه التاريخية بالمزيد من التدمير والتغيير الديمغرافي.
ولعل النداء الذي أطلقه الأستاذ عبد الحميد درويش بتاريخ (13/12/2018)، يصب في هذا الاتجاه ويعتبر بحق فرصة ممكنة لتحقيق هذا الهدف المنشود، حيث يقول: ( إن التهديدات التركية باجتياح المناطق الكردية يجب أن تؤخذ محمل الجد من جانب الحركة السياسية الكردية، ولمواجهة هذه التهديدات، فإنني أدعو كافة الأحزاب الكردية إلى اجتماع طارئ وعاجل لمناقشة تداعيات هذا الوضع، واتخاذ ما يلزم من مواقف لسد الطريق أمام هذه التهديدات، وذلك يوم الخميس 20/ 12 /2018 الساعة العاشرة صباحا في قاعة الدكتور نورالدين زازا.. ودمتم).