التعاون والتنسيق بين الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا والإتحاد الوطني الكردستاني على المستوى الكردستاني قائم على مدى عقود من الزمن مبني على التفاهم والتقارب في وجهات النظر حول الإستراتيجيات الكبرى, وبالتالي, فإن حصول نوع من الفتور في العلاقات بين الطرفين من حين لآخر كان ناتج بفعل إقليمي في إطار العلاقات التكتيكية لأحد الطرفين مع جهة تعارض سياسة الطرف الآخر أو ناتج عن بعض التناقضات في إتخاذ مواقف حينية ظرفية تعارض موقف الجهة الأخرى, إلا أن ذلك لم يكن مؤثراً على عمق العلاقات بين الحزبين طوال تلك العقود من الزمن. وهذا لا يعني بأي شكل من الأشكال بأن طرفاً يتبع الطرف الآخر في إتخاذ القرارات المصيرية, بل بالعكس من ذلك فإنهما قد يختلفان في العمق مع الحفاظ على الحد الأدنى من العلاقات التي تُسْتَثْمر في خدمة القضية القومية على المستوى الكردستاني… وهذا يعني, أن الطرفين ليس لديهما خيار واحد عند الخلافات أي ( إما أبيض أو أسود ) بل لديهما مساحات واسعة من الخيارات عند الإختلاف في وجهات النظر حول قضية ما, وذلك للحفاظ على أهمية التعاون والتنسيق الكردستاني المبني على الحد الأدنى من التوافقات من دون فرض رأي طرف على الطرف الآخر. هذا هو سر بقاء العلاقات المتوازنة بين الطرفين الشقيقين التي يفتقدها الأطراف الأخرى من الحركة السياسية الكردستانية التي تتبع سياسة ( إما أسود أو أبيض ) ـ التابع والمتبوع ـ التي تؤذي بشكل كبير على عملية إقامة العلاقات الصحيحة بين أطراف الحركة الكردستانية.
أما في الشأن الداخلي, لايمكن القبول أن يتدخل طرف بشأن الداخلي للطرف الآخر إلا في الحد الذي قد يحصل المشاورات بين الطرفين لحل بعض القضايا التنظيمية لهذا الطرف أو تلك أو سياسية حتى( أي على مستوى تقديم رأي قد يُتَّخذ به أو لا حسب ما يخدم هذا الرأي لمعالجة الموضوع ). أما إتخاذ الرأي وكأنه قرار فهذا بعيد كل البعد عن مستوى العلاقات بين ( الإتحاد والتقدمي ) حسب تجربتي المتواضعة طوال عشر سنوات من العلاقات مع ( الإتحاد ).
مؤخراً صدر بلاغ للمكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا, أخذ البعض من البلاغ مادة دسمة لمهاجمة ( التقدمي ) أو إتهامه بالتبعية ( للإتحاد ) لتبرير تبعية بعض الأحزاب الكردية في سوريا لأطراف كردستانية… أعتقد أن شكل البلاغ ومضمونه لاينفي ما تقدمت به عن شكل ومستوى العلاقات بين ( التقدمي والإتحاد ) في هذه الظروف الدقيقة التي أوصلت العلاقات الكردستانية إلى حدود خطيرة جداً, وأنا أتابع الحملات الدعائية لإنتخابات في العراق وكردستان أرى بأن مستوى التهجم والإتهامات لبعضهم البعض يوحي إلى أن الأزمة تتعمق وتسير باتجاه تكسير العظم بين الأطراف تتجاوز حدود الإختلاف في الرأي وقبول الآخر… كل ذلك لا يعنيني أبداً لأن تلك الأطراف المتصارعة سياسياً قد لايسمعون ما نبدي بها من آراء قد تخدم الحفاظ على علاقات تخدم قضيتهم القومية والوطنية من جهة, ومن جهة قد تؤثر تلك الآراء على مستوى العلاقات بين أطراف الحركة الكردية في سوريا إمتداداً لتلك الصراعات القائمة خلف الحدود!
من هذا المنطلق يجب أن لايؤخذ بلاغ المكتب السياسي ( للتقدمي ) أساساً لتعميق الصراع بين الأحزاب الكردية في سوريا, وأن ما أبدى به المكتب السياسي من تعاطفه وسط إحتدام وحرارة مستوى الدعاية الإنتخابية في العراق وكردستان مع قائمة الإتحاد الوطني الكردستاني لايؤذي بأي شكل من الأشكال جوهر قضية شعبنا الكردستاني من جهة, ومن جهة أخرى يؤكد على تلك العلاقات التاريخية في هذا المحفل الإنتخابي من دون دفع الصراع إلى التأجيج حتى وإن كان البلاغ يفتح باب الكثير من التأويلات السياسية لدى بعض الأطراف, و( التقدمي ) لم ينكر يوماً مستوى علاقاته مع ( الإتحاد ) وهو يثمن ويعمل على تعميق تلك العلاقات خدمة لما هو خير لشعبنا وقضيته القومية. وبالتالي, فإن مناقشة البلاغ بواقعية وموضوعية محل تقدير واحترام حتى ولو كان مخالفاً لوجهة نظر التقدمي, أما إذا وصل النقاش إلى حد الإتهام والنعت به إلى حدود لايليق بحقيقة ( التقدمي ) لتبرير سياسات خاطئة وقد تكون مدمرة لأطراف أخرى أعتقد أن ذلك النقاش مردود على أصحابه ولا يرى محط إهتمام ( التقدمي ) وكوادره من النخبة والمفكرين الذين يسهرون ليل نهارللحفاظ على المسار الصحيح للحركة السياسية الكردستانية.