لا يخفى على أحد أن منطقة الشرق الأوسط هي من تحدد أولويات الولايات المتحدة الأمريكية في سياساتها الخارجية لطالما أنها تؤكد على أن مصالحها الشرق الأوسطية تؤمن أمنها القومي, وبالتالي, فهي تهتم بجدية بكل المتغيرات في منطقتنا وتسعى أن لا تكون تلك المتغيرات باتجاه تشكيل خطر على مصالحها الإستراتيجية.
من هذا المنطلق تتعامل أمريكا مع أحداث المنطقة من دون الخلط بين سياساتها الشرق الأوسطية مع تلك التي تتبع تجاه أوروبا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وحتى شرق آسيا حتى وإن كانت الأحداث في الشرق الأوسط تلقي بتأثيراتها بشكل أو بآخر على مجمل السياسات العالمية, كون منطقة الشرق الأوسط هي المخزون الأهم للطاقة التي تعتمد عليها غالبية الدول الصناعية وكذلك الدول التي لاتمتلك من هذه الثروة المهمة للبناء والتنمية.
أن الأحداث الدموية التي تستمرفي المنطقة على خلفية ما سميت ( بالثورات العربية ) وصلت إلى حدود تكاد تكون قد خرجت عن السيطرة في ظل الهيمنة الدولية وتدخلاتها العسكرية في اليمن وسوريا, حيث أن لإيران الدور البارز في تعقيد الصراعات الدولية على المنطقة من جهة ومن جهة بين مكونات تلك الشعوب المختلفة في إنتماءاتها العرقية والمذهبية.
وبخلاف المناطق الأخرى, فإن سوريا تبدو وكأنها المنطقة الأكثر أهمية بالنسبة لإيران, وهي عتبة المنطقة بالنسبة لأوروبا منذ بدايات القرن التاسع عشر, وهناك من يقول من المحللين السياسيين منذ الحملة الصليبية الأولى على المنطقة. وبالتالي, فإن إهمال سوريا وتركها للسيطرة الإيرانية قد تسد الباب أمام السياسات الأوروبية والأمريكية معاً في المنطقة, وأن تقارباتها للسياسة الروسية في المنطقة من قبل إران تكاد أن لا تتجاوزحدود المرحلة الراهنة وتكون قد حددت مواقفها من التدخلات الروسية أيضاً بعد إنتصارها النهائي في كل من سوريا ولبنان وإضافتهما إلى العراق التي أصبحت منطقة نفوذها لطالما أن الشيعة هي من تدير سياسة العراق من خلال إستيلائها على الحكم بحكم الأغلبية النيابية.
إذاً نحن أمام معضلة صعبة ومعقدة في حقيقة الأمر لطالما أن إيران وبحكم امتلاكها لقوات ميليشياوية في المنطقة تكون هي اليد الأقوى في نشر الفوضى وعدم الاستقرار الذي تسعى إليه إيران بهدف السيطرة وتوسيع نفوذها تنفيذاً لتوصيات ( آية الله الخميني ) بخصوص تصدير الثورة وعدم وقوفها عن أية حدود جغرافية من جهة, ومن جهة اخرى كما أسلفت, أن أمريكا وأوروبا وكافة الدول الصناعية المؤثرة على إقتصاديات العالم لايمكن أن تتخلى عن مصالحها في الشرق الأوسط, وأن بقائها واستمرايتها في مزاولة سياساتها التي تتعارض مع الطموحات الإيرانية تدفع بالمنطقة نحو هاوية حرب أكثر شمولية تتجاوز الحدود ومنطق الصراع الدولي والإقليمي وقد تدمر المنطقة وتزيل دولاً عن الخارطة…
جواباً للتدخلات الإيرانية الخطيرة في المنطقة جاءت المطاليب الأمريكية القاسية (كشروط) على إيران على لسان وزير خارجيتها ( مايك بومبيو ) إثني عشرشرطاً بالتفصيل الذي لايمكن أن تقبلها إيران كونها إن قبلت يعني ذلك على أنها ستتخلى عن مبدأ تصدير الثورة وتوسيع مناطق نفوذها, وكذلك ستتخلى عن أذرعها التي تساعدها على السيطرة في مناطق عديدة, يعني بالمعنى الأكثر عمقاً أن إيران ستتغير في عمق وجودها الإستراتيجي والإيديولوجي, وهذا غير ممكن لأسباب جوهرية عديدة.
إن رضوخ إيران للشروط الأمريكية المعلنة مستبعد وكذلك الحرب الشاملة أيضاً كما يرفضها جميع الأطراف وخاصة الطرف الأوروبي.. وأن العقوبات الاقتصادية لن تحد من أطماع إيران في استملاكها للسلاح النووي الذي ترى فيه الرادع الأوحد لمن يقف في وجه مطامعها الإقليمية. وبالتالي, أعتقد, ومنطق العقل يقول: أن تلك الشروط القاسية مع فرض عقوبات قاسية حسب وصف (بومبيو) ستضع إيران على مسار سكة الحل الوسط في نهاية المطاف تجنباً للصدام العسكري تحصل أمريكا من خلاله على تنازلات إيرانية كبيرة في سوريا وتوقيف البرنامج النووي لمدة أطول قد تصل إلى ربع قرن حسب توقعات بعض المحللين.
ولكن هناك من يرى بأن تخلي إيران عن سوريا يعني ذلك بداية لإنهيار إيران إستناداً إلى تأكيدات من القادة الإيرانيين ” على أن سقوط دمشق يعني بداية لسقوط طهران ” وهذا ما يضع أمريكا بين خيارين, إما إعادة ترميم سياساتها الشرق الأوسطية وذلك لايمكن أن تردع إيران ووقفها عند حدودها أو أن تغامر بإعلان حرب شاملة مجهولة النتائج قد تكون تدميرية على مستوى المنطقة لبداية تأسيس لمنظومة دولية جديدة تنسف بالمنظومة السابقة التي تعجز عن إدارة العالم بالحكمة والعدل.