آلان حسن: ما بعد إدلب

Share Button

بات المشهد في سوريا يشهد تطوراً أسرع من المتوقع، وذلك بحكم التغييرات على الأرض والذي كان نتاجاً للتطورات العسكرية الأخيرة، فبعد العملية التركية الأخيرة في شرق الفرات، وبمساندة فصائل سوريا موالية لها، شهر تشرين الأول/أكتوبر الفائت، والصمت الروسي إزاءها، يبدو أن التفاهمات بين الجانبين كانت تقتضي رضاً ضمنياً من موسكو على العملية مقابل استعادة الجيش السوري السيطرة على أجزاء استراتيجية من معقل الفصائل الرئيسي في مدينة إدلب، وذلك بعد أربع سنوات من سيطرتها على المدينة الحدودية مع تركيا، وشكلت لسنوات عديدة رمزاً لمعارضة النظام، كما أصبحت مأوىً لفصائل متشددة مثل “هيئة تحرير الشام” (تسمية مستحدثة لجبهة النصرة- فرع تنظيم القاعدة في سوريا) وكذلك لقادة تنظيم “الدولة الإسلامية”، وما العملية الأمريكية الأخيرة في قرية “باريشا” الحدودية مع تركيا إلا جزء من سلسلة تأكيدات لتحول إدلب إلى قِبلة لهذه التنظيمات، التي لا تنفك تتباهى بعشقها للموت، وينكرون على غيرهم حبهم للحياة، بالإضافة لكونها الملاذ الأول للسكان السوريين الأشد معارضة لحكم الرئيس السوري بشار الأسد.

الضربات الجوية المكثفة للطيران الروسي والسوري على الخاصرة الشرقية لبلدة معرة النعمان الاستراتيجية باتت تقرع ناقوس الخطر للفصائل المسيطرة على تلك المنطقة الواقعة على الطريق الدولي (M5) الاستراتيجي، وبذلك فإن الحكومة السورية ستبسط سيطرتها على خمسة مدن رئيسية هي: “حلب – حماة – حمص – دمشق – درعا”، لتتمكن من السيطرة على أطول طريق سريع في سوريا، والذي يبلغ طوله /450/ كم، وهي جزء أساسي من مخطط روسي لاستعادة الاقتصاد السوري جزءاً من عافيته، حيث يقضي ذلك فتح الطريق الاستراتيجي هذا، إضافة لإبعاد الفصائل الموالية لأنقرة عن مناطق سيطرتها على الطريق الدولي (M4) (والذي يربط حلب باللاذقية) المحاذية لبلدة تل تمر في محافظة الحسكة، وفق اتفاق الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان منتصف العام 2018، والذي يقضي باستعادة حركة الترانزيت عبر الطريقين (M4) و(M5).

من الواضح أن المخطط الروسي هذا يهدف لإيجاد بدائل للحكومة السورية من الابتزاز الأمريكي عبر السيطرة على حقول النفط الرئيسية في سوريا، وكذلك بالنسبة لإقرار الكونغرس الأمريكي لقانون قيصر، والذي يعاقب الدول والكيانات التي تتعامل مع حكومة الرئيس السوري، وبالتالي سيضع الحكومة السورية في موقع أقوى عند التفاوض على ملف شرق الفرات، حيث بات الجزء الغربي منه أكثر يسراً في لعبة التفاوض بوجود القوات الروسية فيه، والإعلان الروسي غير مرة عن استعداده للعب دور الوسيط في أي عملية تفاوض، ولاحقاً تسوية بين الإدارة الذاتية والحكومة السورية.

الدور الروسي بات يتمتع بثقة أكبر من قبل قوات سوريا الديمقراطية، التي باتت تتفهم المسعى الروسي في سوريا، وكذلك فإن موسكو أصبحت أكثر واقعية في مقاربتها لتقبل هواجس مكونات مناطق الإدارة الذاتية من أي نزعة تريدها الحكومة السورية في سبيل حلها لهذا الملف المعقد إثنياً وطائفياً.

باستعادة الجيش السوري السيطرة على إدلب، أو الأجزاء الأكثر أهمية منه على الأقل، يكون الدور التركي قد أنجز روسياً في سوريا، وعليه فإن موسكو ليست مضطرة لأية تنازلات أخرى في قادم الأيام، فتسوية الأوضاع في مناطق الإدارة الذاتية، سيصبح شأناً روسياً – أمريكياً محضاً، ويبدو أن التفاهمات العسكرية المؤقتة قد أنجزت بالفعل بعد اتفاق رئيسي أركان البلدين على منع التصادم، وكذلك في إطار عمليات جيشي البلدين في تلك المناطق.

وعليه فإن المناطق الموالية لأنقرة (مثل الباب وإعزاز وجرابلس وعفرين) ستكون الهدف التالي لدمشق وموسكو وذلك بعيد الانتهاء، وتسوية ملف الإدارة الذاتية وكذلك ترتيبات الخروج الأمريكي المشروط من سوريا، والتي ربما تتعلق بتحجيم الدور الإيراني في سوريا عبر إخراج الميليشيات المرتبطة به داخل الأراضي السورية، والتي من الممكن الاستغناء عن خدماتها إذا ما تم الاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية على المشاركة في معارك السيطرة على مناطق سيطرة الفصائل الموالية لأنقرة، وهي التي كانت بمعظمها جزءاً لا يتجزأ من الإدارة الذاتية المعلنة منذ عام 2014، منذ سيطرة القوات التركية مع الفصائل الموالية لها على عفرين ربيع العام 2018 ومشكلة إعادة نازحي عفرين إلى بيوتهم باتت مطلباً أساسياً للإدارة الذاتية، وهذا ما قد يشكل أرضية أساسية لاتفاق “قسد” مع موسكو ودمشق.

الدور الوظيفي لأنقرة في الحرب السورية كان مهماً لترويكا أستانا والذي بدأ منذ عام 2017 وجمعته بكل من موسكو وطهران، لما لأنقرة من أهمية جيوسياسية، وكذلك بالنسبة لتأثيرها على الفصائل الأكثر تشدداً في سوريا، وما كانت هذه الفصائل لتكون جزءاً من مخططات موسكو وأنقرة لإشراكها في مستقبل سوريا، وهي التي لم تؤمن يوماً بقواعد اللعبة السياسية في مستقبل سوريا، وعليه فإن الدور التركي كان باستخدام هذه القوى في سبيل ضرب مشروع الإدارة الذاتية على الحدود الجنوبية لتركيا، وبتسوية ملف الإدارة، لذا فإن دور الفصائل ينتهي تركياً، وتصبح الطريق ممهدة لعملية سياسية فاعلة، تشارك فيها القوى التي تؤمن بنقل الصراع العسكري إلى أروقة السياسة، والاحتكام إلى قواعد اللعبة الديمقراطية.

عن موقع : npasyria.com

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 85 من جريدة التقدمي

صدر العدد (85) من جريدة التقدمي الشهرية الصادرة عن مكتب الثقافة و الاعلام في منظمة ...