آلان حسن: الحكومة السورية وما بعد كورونا

Share Button

تقف الحكومة السورية أمام مرحلة مفصلية من الأزمة التي تمر بها البلاد، والممتدة منذ آذار/ مارس من العام 2011 حيث تجد نفسها أمام عدة معضلات قد تكون نتائجها وخيمة للغاية فيما لو لم تستطع تدارك موقفها قبل فوات الأوان, فبعد مرور أشهر قليلة على الأزمة الاقتصادية الخانقة التي خلفها هبوط قيمة الليرة السورية، والذي ترافق مع اضطراب الأوضاع في دول حلفها الموسوم بـ “الممانعة” حيث المظاهرات الشعبية في كل من إيران والعراق ولبنان أواخر العام الماضي، هي اليوم أمام تحدٍ كبير يتمثل بجائحة كورونا، ومن ثم قانون قيصر الذي سيدخل حيز التنفيذ في حزيران/ يونيو المقبل، الأمر الذي سيزيد من الضغط على الحكومة السورية التي تقف شبه عاجزة عن مواجهة هذه التحديات، خصوصاً أن الإجراءات التي اتخذتها لمواجهة مفاعيل أزمتها، من قبيل رفع الرواتب، لم تكن بالشكل المطلوب شعبياً، وكذلك فإن العمل بالبطاقة الذكية لتوزيع المحروقات، ومؤخراً مادة الخبز، لاقى سخطاً شعبياً غير مسبوق، في ظل حالة الركود الاقتصادي الناجم عن الحجر الصحي الذي فرضته لمواجهة أزمة كورونا بعد أن وصل إجمالي عدد الإصابات المعلن إلى 29 حالة، توفيت منهم اثنتان، وشفيت خمسة.

مرّ التعامل الرسمي مع أزمة كورونا بعدة مراحل، بدءاً مع حالة إنكار لوصول الجائحة إلى البلاد، رغم تفشيها في إيران، وانتقالها إلى كل من العراق ولبنان، ورجحان احتمال انتقالها لسوريا، بسبب العدد الكبير من رحلات الطيران بينها وبين طهران، إلى دق الحكومة السورية لناقوس الخطر عند إعلان أول إصابة بالفيروس أواخر آذار/ مارس، والإعلان عن حزمة إجراءات بدءاً من تأجيل انتخابات مجلس الشعب من 13 نيسان/ أبريل إلى 20 أيار/ مايو، مروراً بـ قرار حظر التجوال الذي قوبل بسخط شعبي، خصوصاً من الفئة التي تعتاش من عملها اليومي، في ضوء عجز الحكومة عن تقديم أية مساعدة لهم.

يترافق ذلك كله مع توتر في مدينة إدلب، كبرى معاقل الفصائل السورية الموالية لتركيا، حيث نص الاتفاق الروسي التركي على إعادة فتح الطريق الدولي -4M الذي يربط حلب باللاذقية، عبر إبعاد الفصائل المتشددة لمسافة /6/ كم من جانبي الطريق، حيث اتفق “الضامنان” على أن تتولى تركيا مراقبة القسم الشمالي من الطريق الدولي، وروسيا القسم الجنوبي منه، وهو ما لم يتحقق إلى الآن بسبب رفض المتشددين الموالين لأنقرة السماح للقوات الروسية بالتواجد في هذه المنطقة.

هذه الأسباب دعت لورود أنباء عن قرب عملية عسكرية للجيش السوري وحلفائه لانتزاع المنطقة جنوب الطريق الدولي، وهو ما يعني قرب الوصول لبصيص أمل لإعادة شريان حياة الاقتصاد السوري، بعد سنوات من تقطيع أوصال المدن الكبرى للبلاد.

تعول دمشق على حرفيتها في اللعب على المتناقضات، فالعلاقة الاستراتيجية مع طهران لا تمنعها من فتح قنوات اتصال مع دول الخليج، وبخاصة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، في موضوع مناهضة تركيا، ومحاربة وجودها في سوريا، وكذلك استنزافها في حربها في ليبيا عبر إشغالها بالجبهة السورية كذلك.

تبدو عودة العلاقات الدبلوماسية بين دمشق وأبو ظبي مقدمة لاستئناف العلاقات السورية السعودية، ومؤشراً على رأب الصدع السوري الخليجي, الذي خلفه دعم السعودية وحلفائها الخليجيين للمعارضة السورية قبل أن تنشغل بحرب اليمن المستمرة منذ عام 2015 دون أي آمال بانتصار أي من طرفيها، ولاحقاً، تسلّم تركيا ملف المعارضة السورية بعسكرييها وسياسييها.

إعادة فتح السفارة الإماراتية في دمشق، واتصال ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد (الحاكم الفعلي للإمارات، والمقرب من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان) خطوة متقدمة في ملف إعادة سوريا إلى الجامعة العربية من بوابة محاربة المشروع الإخواني في المنطقة، في كل من سوريا ومصر وليبيا وتونس.

تريد دمشق أن تخرج من عنق الزجاجة الاقتصادية عبر ضخ الأموال الخليجية مقابل محاربة أنقرة في سوريا، لكن دول الخليج تشترط على دمشق اتخاذ خطوة إلى الوراء في علاقتها بإيران، وهو ما يبدو صعباً في الفترة القريبة القادمة نظراً لوحدة الحال بين الجانبين في مواجهة التحديات المشتركة.

الحكومة السورية مطالبة اليوم باتخاذ إجراءات تقيها من الكارثة التي من الممكن أن تحصل إذا استمر الوضع على ما هو عليه، وأهم هذه الإجراءات هي الانفتاح على الحوار مع الإدارة الذاتية في شمال وشرقي سوريا للوصول إلى حل مقبول للطرفين، فهي الترياق لمعضلة سوريا الراهنة، ومكوناتها هي رأس المال الحقيقي القادر على إخراج سوريا من محنتها، ومواردها الطبيعية هي الأداة التي تمكّن السوريين من إعادة بناء بلدهم، لكن على أسس سليمة، غير تلك المتبعة على مدى العقود الماضية، وعليه فإن على دمشق والقامشلي أن تسارعا الخطا للوصول إلى الهدف الذي يجنبهما أي مصير قاتم، وعليهما ألا يعولا على الوقت لوسيلة لتحقيق انتصار كامل، وأن يقتنعا أن الحل يكمن في منتصف الطريق، وأن تنازل أحدهما للآخر هي خطوة ذات فائدة للجانبين، وإعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي لا تعني بأي حال من الأحوال أنها هزيمة، فالحل العقلاني لهذه الأزمة هي وفق قاعدة “لا غالب ولا مغلوب”.

عن موقع نورث برس

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 641 من الديمقراطي

صدر العدد الجديد 641 من جريدة الديمقراطي التي يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، ...