آلان حسن : الإخوة الأعداء

Share Button

مرت الأحداث في سوريا بعدة مراحل خلال السنوات التسع الماضية، وعلى الرغم من التناقضات الحاصلة بين أطراف الحرب، إلا أن العديد منها اضطرت للتنسيق مع بعضها مرغمةً، لعدم توفر ترف خيارات يمكّنها من تغيير دفة تحالفاتها، خاصة وأن مسار الحرب كان مصيرياً لعدد من الدول الإقليمية المنخرطة بشكل كبير.

بعد سنوات من الكباش بين القوى المنخرطة في الحرب، توصلت جميعها إلى قناعة أن روسيا هي من ستكون لها اليد العليا في سوريا، لكن بعد أن تتعهد بألا تشاركها في موقعها هذا أي قوة أخرى، وتحديداً الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

يبدو أن موسكو وصلت إلى النقطة التي ينبغي فيها الالتزام بتعهداتها للدول التي سلّمت بدورها كقوة رئيسية في سوريا، وعلى رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية، وهي مطالبة بالضغط على الرئيس السوري بشار الأسد للقبول بصفقة إعادة تأهيل شرعية حكومته دولياً مقابل تحجيم الدور الإيراني المتعاظم في سوريا.

تدرك موسكو أن ثمن المماطلة في الإيفاء بالتزاماتها هو بقاء القوات الأمريكية في المناطق النفطية في سوريا، وربما الاعتراف بالإدارة الذاتية لشمال وشرقي سوريا، وكذلك عدم قدرة الخليجيين على الانفتاح الاقتصادي الكامل على دمشق، وهو يعني ما يعنيه أن إعادة الحياة للاقتصاد السوري سيصبح أمراً صعباً للغاية، خاصة وأن ما يقارب ثلاثة أرباع النفط والغاز السوري موجود ضمن مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.

كما تعلم موسكو أن بقاء النفوذ الإيراني كما هو عليه الآن يعني استمرار قصف سوريا من قبل إسرائيل التي تتذرع دائماً باستمرار النشاط العسكري الإيراني المناهض لها على الأراضي السورية.

تحاول الحكومة السورية اللعب على وتر الخلافات بين أطراف الحرب السورية، وبين الحلفاء أنفسهم.

ففي ملف الخلاف الخليجي مع تركيا وقطر وتأثيره على الحالة السورية؛ نجد أن الرئيس السوري بشار الأسد قد أبقى على شعرة معاوية مع الإمارات، وبدرجة أقل السعودية، للاستفادة من عدائهما مع تركيا “العدالة والتنمية” وعلى الرغم من الموقف المتباين من النفوذ الإيراني في المنطقة بشكل عام، وسوريا بشكل خاص، إلا أنهم قد استطاعوا ترحيل الخلاف هذا مقابل التركيز على الخطر الإخواني على الجميع، وهو السبب الذي دعا للتقارب الإماراتي السوري، والذي تجلى بإعادة فتح السفارة الإماراتية في دمشق أواخر العام 2018، والاتصال الهاتفي الأخير بين ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد والرئيس السوري بشار الأسد والحديث الإماراتي عن الوقوف بجانب سوريا في أزمة جائحة كورونا، وهو ما قد يمهد لتسريع عودة العلاقات السورية السعودية.

كذلك فإن دمشق تدرك تماماً أن دفاع موسكو المستميت عنها يعود لمصالح روسيا بالدرجة الأولى، وليس دفاعاً تكتيكياً عن حليف لها، وبالتالي فإنها تستطيع أن تستغل هامش المناورة الموجود لديها، وتعمل خارج الفلك الروسي.

تريد موسكو أن تكون القوة الكبرى الوحيدة المسيطرة على المشهد السوري، وأطراف الحرب السورية متفقون حول هذه النقطة، ولا يرغبون بوجود أي قوة أخرى، وبالتحديد إيران، شريكة لها، كما أن الصين لديها نوايا بالعودة للمشهد السوري من البوابة الاقتصادية، والدخول بمشاريع لإعادة إعمار سوريا تفوق الحد الذي تريده موسكو، وبالتالي فإن روسيا تريد من إيران أن لا تكون بوابة لأية مشاريع صينية قادمة في سوريا، وهي تضغط على طهران لهذا الغرض.

الضغوطات الروسية الأخيرة على الرئيس السوري بشار الأسد والتي تجلت في عدد من التقارير الإعلامية، ومنها تقرير لوكالة الأنباء الفيدرالية الروسية، التي يملكها الملياردير يفغيني بريغوجين المقرب من فلاديمير بوتين والمعروف باسم “طباخ بوتين” التقرير انتقد مواقف الرئيس السوري من الفساد المستشري في الحكومة السورية وشكك بقدرته على قيادة مستقبل سوريا.

مسلسل الضغوطات الروسية يهدف للضغط على الأسد لحمله على أخذ القرارات التي يتوجب عليه أخذها “وفق المنظور الروسي” وأولها التخلي التدريجي عن النفوذ الإيراني الكبير داخل نظام حكمه، وهو ما تطلب رداً إيرانياً مسانداً لحليفه، حيث زار وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف دمشق، رغم الظروف الاستثنائية المتعلقة بجائحة كورونا، للتأكيد على المصير المشترك للبلدين، ومساندة إيران لحكومة الرئيس بشار الأسد في حملة الضغط التي يتعرض لها، والتي من المتوقع أن تزداد في الفترة القادمة كي يتخذ قراره المرتقب.

العامل الإسرائيلي مهم للغاية في هذا الملف، والتسريبات الاستخبارية عن تنحية الرئيس الأسد خلال الأشهر القليلة القادمة، والحديث عن قيادة بديلة من داخل النظام، إنما تأتي ضمن سلسلة الابتزاز الذي تتعرض لها القيادة السورية للتخلي عن طهران، ولإيصال رسالة للرئيس السوري أن لا حدود للضغوط التي ستمارس عليه إزاء هذا الملف خلال الفترة القادمة.

تدرك دمشق أنها تمسك بمفاتيح ملفات معقدة في المنطقة، وإن أي تغيير في مفاصل الحكم السوري ستكون له ارتدادات خطيرة في المنطقة، لذا فهي تناور في هذا المجال، وتراهن على تغير المواقف بحكم عدم توفر البديل الذي يحافظ على التوازنات الموجودة في المنطقة، لكن بقاء الحال من المحال، وربما يكون الحل الأكثر عقلانية هو تحصين الجبهة الداخلية عبر الانفتاح على الحوار مع مكونات المجتمع السوري، والوصول إلى حلول وسط للقضايا الخلافية، وصولاً إلى دولة متماسكة تستطيع مواجهة تكالب بعض القوى التي تستغل انقساماتها الأفقية والعمودية.

عن موقع نورث برس

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 641 من الديمقراطي

صدر العدد الجديد 641 من جريدة الديمقراطي التي يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، ...